يروي برنالد هالدين في كتابه(( كيف تجعل من النجاح عادة ؟ ))
قصة رجل جاوز الثالثة و الأربعين من عمره جاءه يوماً و هو يقول:
(( درست القانون و أنا أعمل اليوم محامياً، و لكنني
أشعر بعد مرور خمسة عشر عاماً على ممارستي لهذه المهنة، أنني
لم أحقق النجاح الذي كنت أتطلع إليه و أنا طالب
في كلية الحقوق، لم أكمل تعليمي بعد!))
و قال هالدين : (( و قلت للرجل: عد إلى سنوات طفولتك و صباك، حاول
أن تتذكر عملاً قمت به و شعرت بلذة و متعة و أنت تؤديه، ألم يكن
لك أي ميول أو اتجاهات أخرى في أي مجال؟)) . و جلس الرجل صامتاً يفكر
فترة طويلة ، و في النهاية بدأ يتكلم و كأنه تذكر شيئاً ... و بدأ يروي قصته، قال:
(( لقد كان والدي يمتلك بندقية صيد كبيرة .... و كان قد كف عن ممارسة
هواية الصيد لفترة طويلة ثم قرر فجأة أن يعود إليها، و بحث
عن بندقيته فعلاً وجدها كان الصدأ قد علاها، و أصبحت غير صالحة
للاستعمال فما كان منه إلا أن ألقى بها جانباً و قرر
العدول عن الخروج مع رفاقه للصيد!..
و كنت يومها صبياً لم أتجاوز الثالثة عشرة من عمري، و كنت
أحب والدي كثيراً، و ما كدت أراه يعود ويشعل الغليون
ويضعه في فمه، و يجلس في ملل يرقب النار
المشتعلة في المدفأة، حتى شعرت بالأسف من أجله!
و عدت إلى البندقية و حملتها في هدوء إلى غرفتي، ثم أغلقت
الباب عليّ، بعد أن قررت بيني و بين نفسي، أن أفعل كل
ما في وسعي لأعيدها إلى ما كانت عليه. و في اهتمام شديد، رحت
أفك أجزاءها قطعة بعد قطعة ثم نظفتها و أزلت الصدأ الذي
كان يكسوها، و أعدتها إلى ما كانت عليه، إنني لا أستطيع
أن أنسى ذراعي والدي القويتين و هما يرفعانني في الهواء
ثم يهبطا بي مرة أخرى و هو يصيح:(فليباركك الله يا بني )
عندما عدت إليه ببندقيته صالحة للاستعمال مرة أخرى.. لقد أحسست
يومها بفخر و زهو لا يعادلهما شيء في الدنيا ..
لقد منحني والدي يومها جنيهاً مكافأة لي)).
و يقول هالدين:(وعدت أسأل صاحبي :
هل قمت بأعمال مماثلة بعد ذلك، هل أعدت
محاولتك لإصلاح شيء خرب في البيت؟)
قال:(نعم، فعلت، لقد أصلحت ماكينة الحياكة التي يملكها أمي، و أعدت
التيار الكهربائي بعد أن قطع مرة عن البيت، و أصلحت
دراجة أختي الصغيرة ...
وفي كل مرة كنت أجد متعة و أنا أقوم بهذه الأعمال).
و قلت للرجل أخيراً:
(( إن مكانك يا صديقي في مصنع كبير لا في مكتب المحاماة! )) .
- و لكنني درست القانون لأن والدي أراد لي هذا الطريق!...
- و لماذا لا تدرس الهندسة؟! ...
- وهل أستطيع أن أعود طالباً بعد أن جاوزت الأربعين؟! ...
- بالضبط .. التحق بكلية الهندسية و تعلم، فقد خلقت لتكون مهندساً!
هذا المحامي الفاشل أصبح واحداً من أشهر مهندسي بريطانيا
بعد أن جاوز الخمسين من عمره.
يا له من مستودع للمواهب، لم تمسه يد، ذلك
الذي كان يختفي داخل هذا الرجل الذي تصور في لحظة
من لحظات حياته أن الفشل هو كل نصيبه من هذه الحياة.
العبرة
في هذه القصة بأن لا نجعل اليأس يعتلي قلوبنا، لا يجب
أن نقول أبدا كلمة فات الأوان على هذا أو ذاك، مادمناأحياء نرزق
وما دمنا نتنفس الأمل يجب أن لا نستسلم وأن نبدأ من جديد
في ترتيب أولوياتنا وأهدافنا بالشكل الأنسب لنا وليس
الأنسب بالنسبة للأشخاص من حولنا......
إن كنت من الذين لم يحددوا أهدافهم بعد في هذه الحياة
فإبدأ الآن وانسى شعورك بالضياع في هذا العالم لأنه لا شيء
مستحيل مع الارادة القوية والتصميم والاصرار ،وفي النهاية
ستصل إلى أهدافك بإذن الله