كان أيوب شاباً طموحاً لا يتجاوز عمره الثمانية عشر عاما، هذا الشاب كان يحب أن يكون
في أفضل مستوى بدني وذهني واجتماعي…لذلك كان يبحث دوماً عن الأفضل ويسعى له.
وجاءت الفرصة لأيوب بسرعة، فقد أعلن حاكم البلاد أن من يصل لقمة الجبل الأعلى ارتفاعاً
ويقيم هناك 89 يوماً سيتم تعيينه مستشاراً خاصاً له. هذه القمة وطوال 60 سنة لم يستطع
أحد أن يصلها، وحاك الناس حولها قصصاً خيالية من وجود الجن والوحوش والنسور المجنونة.
وأعطى حاكم البلاد مهلة سنة كاملة لمن يصل لهذه القمة ويقيم هناك الفترة المطلوبة،
شرط أن يقوم باستقبال رسالة من الحمام الزاجل كل يوم على القمة ليتم التأكد من وجوده عليها.
تردد أيوب في البداية، فما يجعله يظن أن مصيره لن يكون مصير المئات من قبله ممن ذهبوا دون
هدف وللتجربة فقط ولم يعودوا. وبدأت الأخبار تأتي لأيوب من أصحابه أن فلاناً اختفى وأن صديقنا
فلاناً لم يعد أحد يستطيع رؤيته والسبب دوماً السعي للمنصب الكبير عبر هدف صعب للغاية وهو
الصعود لقمة الجبل والمكوث هناك.
قرر أيوب أخيراً المغامرة وذلك بعد مضي 5 أشهر، فقام بتمارين صعبة للغاية ورفع من لياقته وقدرته
البدنية وقرر الذهاب ، لكنه انتبه إلى حقيقة أنه من الممكن أن يصل هو وأكثر من شخص إلى القمة فما العمل؟
فجاء الرد من حاجب الحاكم أن العمل بسيط جداً ، وهو أن المطلوب جلب التسعينن رسالة التي تأتي
من الحمام الزاجل هناك…أي بلغة أخرى لو صعد شخص في آخر يوم لأيوب بالقمة وقام بقتل أيوب لفاز ذلك الشخص.
أيوب ذهب للجبل هناك، حاول التسلق لكنه سقط قبل أن يبدأ…..لكن الهدف كبير وخشية كلام الناس أكبر …
فواصل طريقه بقوة يضرب هنا بالجبل ويواصل وضع الحبال كي يصل….فهو رجل مستعد بدنياً وذهنياً ونفسياً
وكيف لا تكون النتيجة أن نرى أيوب في القمة بعد هذه المحاولات؟
وصل أيوب القمة ولم يجد أي أحد هناك، فعلم أنه فاز لا محالة بالمنصب الكبير وما زال عمره صغيراً…
ولم يلبث أن يصل فإذا بأولى الحمام الزاجل تصل له برسالة ففكها عن رجلها ليقرأ فيها : ” احتفظ بها ،
وعند عودة هذا الطائر دون رسالة سنرسل لك الطعام مما تشتهي ومما تعرف ولا تعرف مع طيور أخرى”.
وهذا ما حدث، فالحاكم لا يريد تجويع الرجل في الأعلى…فجاءت طيور مختلفة تحمل الطعام من الفواكه
والخضار والخبز وكافة الأطعمة الرائعة…تمدد أيوب على الأرض وبدأ يتخيل أيامه السعيدة المقبلة.
في الليلة الأولى خشي من النوم فهو يسمع أن هناك نسوراً مجنونة ووحوشاً وجناً خبيثاً لكن لم يكن
أي شيء من هذا، وفي الصباح نهض ليمارس التمارين الرياضية لكنه سأل نفسه : ” لماذا أتعب نفسي
وأنا وصلت للقمة هنا ..وبعد ايام قليلة سأكون هناك مع الحاكم؟”.
مضت أيام أيوب دون أن يمارس تمارينه الرياضية المعتادة التي أوصلته للقمة، وافترش الأرض ليبدأ بأحلامه
الجميلة لحياته مع حاكم البلاد والنجاحات الكبيرة التي سيحققها هناك … والأهم ماذا سيقول عنه الناس بعد النجاح الكبير.
بدأ أيوب يزداد سمنة..وتحول البطل الرياضي لشخص بدين جداً كسول لا يقدر على الحراك….
واقترب الحسم والفوز فاليوم هو رقم 89. وجاءت الرسالة عبر الحمام الزاجل واضحة الكلام
والمعالم وفيها : ” بقي لك يوم واحد، وفي حال فشل أحمد بالصعود ستكون مستشاري الخاص!!!”.
أيوب يتحدث لنفسه بصوت مرتفع : ” من هو أحمد هذا الذي يريد افساد أحلامي”….
الجواب بصوت مرتفع : ” أنا أحمد وجئت لكن ليس من أجل أن أسرق حلمك بل كي أحقق حلمي”.
أيوب: ” وهل تعتقد أيها الأحمق أنك تستطيع هزيمتي؟ أنا أيوب القوي السريع الخطير!”.
أحمد : ” أنظر إلى نفسك ، أنا لست مضطراً كي أقاتلك فانك لن تستطيع التحرك للدفاع عن نفسك كي آخذ الرسائل الآن”.
وتوجه أحمد للرسائل التي تبعد عن أيوب خطوتين فقط، لكن أيوب حاول التحرك لكنه لم يستطع بسبب
ثقل وزنه…فجمع أحمد الرسائل بكل سهولة ومضى والتفت لأيوب ليقول له : ” لا أعتقد أنك تستطيع النزول الآن،
وسوف تموت في قمتك الوهمية بعدما خسرتها”.
نعم لم يسمع أحد شيئاً عن أيوب بعد ذلك، وكم من أيوب عربي وكم من أيوب عالمي… اعتقد الكثيرون أنهم
بوصولهم القمة أصبحوا فيها للأبد فارتاحوا لتكون النهاية هي نهايتهم وليس نهاية قصة النجاح …
أضاعوا النجاح لأنهم اعتقدوا أنه مكان للراحة ولم يدركوا أن النجاح يتطلب استمرار الجهد كي نحافظ عليه.